الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.عمارة المسجد. كان الوليد عزل هشام بن إسماعيل المخزومي عن المدينة سنة سبع وثمانين لأربع سنين من ولايته وولى عليها عمربن عبد العزيز فقدمها ونزل دار مروان ودعا عشرة من فقهاء المدينة فيهم الفقهاء السبعة المعروفون فجعلهم أهل مشورته لايقطع أمرا دونهم وأمرهم أن يبلغوه الحاجات والظلامات فشكروه وجزوه خيرا ودعا له الناس ثم كتب إليه سنة ثمان أن يدخل حجر أمهات المؤمنين في المسجد ويشتري ما في نواحيه حتى يجعله مائتي ذراع في مثلها وقدم القبلة ومن أبى أن يعطيك ملكه فقومه قيمة عدل وادفع إليه الثمن واهدم عليه الملك ولك في عمر وعثمان أسوة فأعطاه أهل الأملاك ما أحب منها بأثمانها وبعث الوليد إلى ملك الروم أنه يريد بناء المسجد فبعث إليه ملك الروم بمائة ألف مثقال من الذهب ومائة من الفعلة وأربعين حملا من الفسيفساء وبعث بذلك كله إلى عمر بن عبد العزيز واستكثر معهم من فعله الشام وشرع عمر في عمارته وولى الوليد في سنة تسع وثمانين على مكة خالد بن عبد الله القسري..فتح السند. كان الحجاج قد ولى على ثغر السند ابن عمه محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل وجهز معه ستة آلاف مقاتل ونزل مكران فأقام بها أياما ثم أتى فيريوز ففتحها ثم أرمايل ثم سار إلى الدبيل وكان به بد عظيم في وسط المدينة على رأسه دقل عظيم وعليه راية فإذا هبت الريح دارت فأطافت بالمدينة والبد صنم مركوز في بناء والدقل منارة عليه وكل ما يعبد فهو عندهم بد فحاصر الدبيل ورماهم بالمنجنيق فكسر الدقل فتطيروا بذلك ثم خرجوا إليه فهزمهم وتسنم الناس الأسوار ففتحت عنوة وأنزل فيها أربعة آلاف من المسلمين وبني جامعها وسار عنها إلى النيروز وقد كانوا بعثوا إلى الحجاج وصالحوه فلقوا محمدا بالميرة وأدخلوه مدينتهم وسار عنها وجعل لا يمر بمدينة من مدائن السند إلا فتحها حتى بلغ نهر مهران واستعد ملك السند لمحاربته وإسمه داهر بن صصة ثم عقد الجسر على النهر وعبر فقاتله داهر وهو على الفيل وحوله الفيلة ثم اشتد القتال وترجل داهر فقاتل حتى قتل وانهزم الكفار واستلحمهم المسلمون ولحقت امرأة داهر بمدينة رارو فساروا إليها وخافته فأحرقت نفسها وجواريها وملك المدينة ولحق الفل بمدينة بدهمتاباد العتيقة على فرسخين من مكان المنصورة وهي يومئذ غيضة ففتحها عنوة واستلحم من وجد بها وخربها ثم استولى على مدائن السند واحدة واحدة وقطع نهر ساسل إلى الملقاد فحاصرها وقطع الماء فنزلوا على حكمه فقتل المقاتلة وسبى الذرية وقتل سدنة البلد وهو ستة آلاف وأصابوا في البلد ذهبا كثيرا في بيت طوله عشرة أذرع وعرضه ثمانية كانت الأموال تهدى إليه من البلدان ويحجون إليه ويحلقون شعرهم عنده ويزعمون أنه هو أيوب فاستكمل فتح السند وبعث من الخمس بمائة وعشرين ألف ألف وكانت النفقة نصفها..فتح الطالقان وسمرقند وغزوكش ونسف والشاش وفرغانة وصلح خوارزم. قد تقدم أن قتيبة غزا بخارى سنة تسع وثمانين وانصرف عنها ولم يظفر وبعث إليه الحجاج سنة تسعين يوبخه على الانصراف عنها ويأمره بالعود فسار إليها ومعه نيزك طرخان صاحب باذغيس وحاصرها واستجاش ملكها وردان أخذاه بمن حوله من الصغد والترك فلما جاء مددهم خرجوا إلى المسلمين وكانت الأزد في المقدمة فانهزموا حتى جاوزوا عسكر المسلمين ثم رجعوا وزحفت العساكر حتى ردوا الترك إلى موقفهم ثم زحف بنو تميم وقاتلوا الترك حتى خالطوهم في مواقفهم وأزالوهم عنها وكان بين المسلمين وبينهم نهر لم يتجاسر أحد على عبوره إلا بنو تميم فلما زالوا عن مواقفهم عبر الناس واتبعوهم وأثخنوا فيهم بالقتل وخرج خاقان وابنه وفتح الله على المسلمين وكتب بذلك إلى الحجاج ولما استوت الهزيمة جاء طرخون ملك الصغد ومعه فارسان ودنا من عسكر قتيبة يطلب الصلح على فدية يؤديها فأجابها قتيبة وعقد له ورجع قتيبة ومعه نيزك وقد خافه لما رأى من الفتوح فاستأذنه في الرجوع وهو بآمد فرجع يريد طخارستان وأسرع السير وبعث قتيبة إلى المغيرة بن عبد الله يأمره بحبسه وتبعه المغيرة فلم يدركه وأظهر نيزك الخلع ودعا لذلك الأصبهند ملك بلخ وباذان ملك مرو الروذ وملك الطالقان وملك القاربات وملك الجوزجان فأجابوه وتواعدوا لغزو قتيبة وكتب إلى كاتب شاه يستظهر به وبعث إليه بأثقاله وأمواله واستأذنه في الاتيان إن اضطر إلى ذلك وكان جيفونة ملك طخارستان نيزك ينزل عنده فاستضعفه وقبض عليه وقيده خشية من خلافه وأخرج عامل قتيبة من بلده وبلغ قتيبة وخبرهم قبل الشتاء وقد تفرق الجند فبعث أخاه عبد الرحمن بن مسلم في إثني عشر ألف إلى البروقان وقال: أقم بها ولا تحدث شيئا فإذا انقضى الشتاء تقدم إلى طخارستان وأنا قريب منك ولما انصرم الشتاء استقدم قتيبة الجنود من نيسابور وغيرها فقدموا فسار نحو الطالقان وكان ملكها قد دخل معهم في الخلع ففتحها وقتل من أهلها مقتلة عظيمة وصلب منهم سماطين أربعة فراسخ في مثلها واستخلف عليها أخاه محمد بن مسلم وسار إلى القاربات فخرج إليه ملكها مطيعا واستعمل عليها وسار إلى الجوزجان فلقيه أهلها بالطاعة وهرب ملكها إلى الجبال واستعمل عليها عامر بن ملك الحماس ثم أتى بلخ وتلقاه أهلها بالطاعة وسار يتبع أخاه عبد الرحمن إلى شعب حمله ومضى نيزك إلى بغلان وخلف المقاتلة على فم الشعب ولا يهتدي إلى مدخل ومضايقوه يمنعونه ووضع أثقاله في قلعة من وراء الشعب وأقام قتيبة أياما يقاتلهم على فم الشعب ولا يهتدى إلى مدخل حتى دله عليه بعض العجم هنالك على طريق سرب منه الرجال إلى القلعة فقتلوهم وهرب من بقي منهم ومضى إلى سمنجان ثم إلى نيزك وقدم أخاه عبد الرحمن وارتحل نيزك إلى وادي فرغانة وبعث أثقاله وأمواله إلى كابل شاه مضى إلى السكون فتحصن به ولم يكن له إلا مسلك واحد صعب على الدواب فحاصره قتيبة شهرين حتى جهدوا وأصابهم جهد الجدري وقرب فصل الشتاء فدعا قتيبة بعض خواصه ممن كان يصادق نيزك فقال: إنطلق إليه وأثن عليه بغير أمان وإن أعياك فأمنه وإن جئت دونه صلبتك فمضى الرجل وأشار عليه بلقائه وأنه عازم على أن يشق هنالك فقال: أخشاه فقال له: لا يخلصك إلا إتيانك تنصح له بذلك وبأنه يخشى عليه من غدر أصحابه الذين معه ولم يزل يفتل له في الذروة والغارب وهو يمتنع حتى قال له: إنه قد أمنك فأشار عيه أصحابه بالقبول لعلمهم بصدقه وخرج معه نيزك ومعهم جيفونة ملك طخارستان الذي كان قيده حتى انتهوا إلى الشعب وهناك خيل أكمنه الرجل ما كان فيه وكتب إلى الحجاج يستأذنه في قتل نيزك فوافاه كتابه لأربعين يوما بقتله فقتله وقتل معه صول طرخان خليفة جيفونة وابن أخي نيزك ومن أصحابه سبعمائة وصلبهم وبعث برأسه إلى الحجاج وأطلق جيفونة وبعث به إلى الوليد ثم رجع إلى مرو وأرسل إليه ملك الجوزجان يستأمنه فأمنه على أن يأتيه فطلب الرهن فأعطاه وقدم ثم رجع فمات بالطالقان وذلك سنة إحدى وتسعين ثم سار إلى شومان فحاصرها وقد كان ملكها طرد عامل قتيبة من عنده فبعث إليه بعد مرجعه من هذه الغزاة أن يؤدي ما كان صالح عليه فقتل الرسول فسار إليه قتيبة وبعث له صالح أخو قتيبة وكان صديقه ينصحه في مراجعة الطاعة فأبى فحاصره قتيبة ونصب عليه المجانيق فهدم الحصن وجمع الملك ما في الحصن من مال وجوهر ورمى به في بئر لا يدرك قعره ثم استمات وخرج فقاتل حتى قتل وأخذ قتيبة القلعة عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية ثم بعث أخاه عبد الرحمن إلى الصغد وملكهم طرخون فأعطى ما كان صالح عليه قتيبة وسار قتيبة إلى كش ونسف فصالحوه ورجع ولقي أخاه ببخارى وساروا إلى مرو ولما رجع عن الصغد حبس الصغد ملكهم طرخون لإعطائه الجزية وولوا عليهم غورك فقتل طرخون نفسه ثم غزا في سنة اثنتين وتسعين إلى سجستان يريد رتبيل فصالحه وانصرف وكان ملك خوارزم قد غلبه أخوه خرزاد على أمره وكان أصغر منه وعاث في الرعية وأخذ أموالهم وأهليهم فكتب إلى قتيبة يدعوه إلى أرضه ليسلمها إليه على أن يمكنه من أخيه ومن عصاه من دونهم فأجابه قتيبة ولم يطلع الملك أحدا من مرازبته على ذلك وتجهز قتيبة سنة ثلاث وتسعين وأظهر غزو الصغد فأقبل أهل خوارزم على شأنهم ولم يحتفلوا بغزوه وإذا به قد نزل هزراسب قريبا منهم وجاء أصحاب خوارزم شاه إليه فدعوه للقتال فقال: ليس لنا به طاقة ولكن نصالحه على شيء نعطيه كما فعل غيرنا فوافقوه وسار إلى مدينة الفيد من واء النهر وهذا حصن بلاده وصالحه بعشرة آلاف رأس وعين ومتاع وأن يعينه على خادم جرد وقيل على مائة ألف فارس وبعث قتيبة أخاه عبد الرحمن إلى خام جرد وهو عدو لخوارزم شاه فقاتله وقتله عبد الرحمن وغلب على أرضه وأسر منهم أربعة آلاف فقتلهم وسلم قتيبة إلى خوارزم شاه أخاه ومن كان يخالفه من أمرائه فقتلهم ودفع أموالهم إلى قتيبة ولما قبض قتيبة أموالهم أشار عليه المحشر بن مخازم السلمي بغزو الصغد وهم آمنون على مسافة عشرة أيام فقال أكتم ذلك فقدم أخاه في الفرسان والرماة وبعثوا بالأثقال إلى مرو وخطب قتيبة الناس وحثهم على الصغد وذكرهم الضغائن فيهم ثم سار فأتى الصغد بعد ثلاث من وصول أخيه فحاصرهم بسمرقند شهرا واستجاشوا ملك الشاش وأخشاد خاقان وفرغانة فانتخبوا أهل النجدة من أبناء الملوك والمرازبة والأساورة وولوا عليهم ابن خاقان وجاؤوا إلى المسلمين فانتخب قتيبة من عسكره ستمائة فارس وبعث بهم أخاه صالحا لإعتراضهم في طريقهم فلقوهم بالليل وقاتلوهم أشد قتال فهزموهم وقتلوهم وقتلوا ابن خاقان ولم يفلت منهم إلا القليل وغنموا ما معهم ونصب قتيبة المجانيق فرماهم بها وثلم السور واشتد في قتالهم وحمل الناس عليهم إلى أن بلغوا الثلمة ثم صالحوه على ألفي ألف ومائتي ألف مثقال في كل عام وأن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس وأن يمكنوه من بناء مسجد بالمدينة ويخلوها حتى يدخل فيصلي فيه فلما فعل ذلك ودخل المدينة أكرههم على إقامة جند فيها وقيل إنه شرط عليهم الأصنام وما في بيوت النار فأعطوه فأخذ الحلية وأحرق الأصنام وجمع من بقايا مساميرها وكانت ذهبا خمسين ألف مثقال وبعث بجارية من سبيها من ولد يزدجرد إلى الحجاج فأرسلها الحجاج إلى الوليد وولدت له يزيد ثم قال فورك لقتيبة إنتقل عنا فانتقل وبعث إلى الحجاج بالفتح ثم رجع إلى مرو واستعمل على سمرقند إياس بن عبد الله على حربها وعبيد الله بن أبي الله مولى مسلم على خراجها فاستضعف أهل خوارزم إياسا وجمعوا له فبعث قتيبة عبد الله عاملا على سمرقند وأمره أن يضرب إياسا وحبايا السطي مائة مائة ويخلعهما فلما قرب عبد الله من خوارزم مع المغيرة بن عبد الله فبلغهم ذلك وخشي ملكهم من أبناء الذين كان قتلهم ففر إلى بلاد الترك وجاء المغيرة فقتل وسبى وصالحه الباقون على الجزية ورجع إلى قتيبة فولاه على نيسابور ثم غزا قتيبة سنة أربع وتسعين إلى ما وراء النهر وفرض البعث على أهل بخارى وكش ونسف وخوارزم فسار منهم عشرون ألف مقاتل فبعثهم إلى الشاش وسار هو إلى خجندة فجمعوا له واقتتلوا مرارا كان الظفر فيها للمسلمين وفتح الجند الذين ساروا إلى الشاش مدينة الشاش وأحرقوها ورجعوا إلى قتيبة وهو على كشان مدينة فرغانة وانصرف إلى مرو ثم بعث الحجاج إليه جيشا من العراق وأمره بغزو الشاش فسار لذلك وبلغه موت الحجاج فرجعوا إلى مرو.
|